"طريق الصوفيّة أسهل الطرق إلى حبّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بصدق ".
طريق الصوفيّة أسهل الطرق إلى حبّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بصدق
الحمد لله الذي أفاض على أوليائه وأحبّائه وأصفيائه من النّور المحمّديّ أنوارا، ونوّر قلوبهم بمحبّة الجناب النبويّ. فملئت ببركته صلى الله عليه وسلم معارف وأسرارا، فصار الأولياء من فيض بحره يغترفون، ومن روض مواهبه يقتطفون، ويجتنون ثمارا وأزهارا، فاستضاءت بأنوارهم الخليقة، وسلكوا بهم من الدّين طريقه، ختّى تبيّن لهم الهدى استبصارا، وأشهد أن لا إله إلاّ الله. وحده لا شريك له. خصّ أولياءه بالحكمة والنّور، وشرح بهم القلوب والصدور، وجعلهم للدّين أعوانا وأنصارا. وأشهد أنّ سيّدنا محمّدا عبده ورسوله. وصفيّه وخليله. باب الله العظيم، وصراطه المستقيم، وغيثه النافع إكثارا، فما من نعمة واصلة، أو رحمة متراسلة، إلاّ على يديه أرسلت مدرارا، اللهمّ صلّ وسلّم وبارك على سيّدنا محمّد. وعلى آله المكمّل شرفهم بشرفه وكماله. وعلى صحابته المتحلّين بحِلية سنائه وحُلل جماله. حتّى كانوا في سماء المحبّة شموسا وأقمارا، وعلى التابعين لهم. المقتفين آثارهم. ليلا ونهارا. أمّا بعد: فيا أيّها المسلمون. يقول الله تعالى في كتابه الكريم
(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ))، فهذه الآية الكريمة تنصّ على أنّ محبّة المسلم لله تعالى غير مجدية وغير نافعة. ما لم تقترن باتّباع حضرة الرسول الأعظم. سيّدنا محمّد صلى الله عليه وسلم. فهذا الاتّباع يوصل العبد إلى مرتبة المحبوبيّة، أي يصبح من أحباب الله، من الصّفوة المختارة من خلقه. الذين بيّن سمتهم. ووصفهم وصدّر هذا الوصف بمحبّته لهم. فقال سبحانه وتعالى
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدد مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ))، ومن يحبّه الله تعالى. فهو ذو حظّ عظيم. أمّا إذا لم تكن هذه المحبّة مقرونة باتّباع الرسول الكريم. صلى الله عليه وسلم. فحينئذ تكون محبّة صوريّة. وليست محبّة حقيقيّة، أي محبّة وهميّة. يخدع الإنسان بها نفسه، قال تعالى
(يُخادِعونَ اللَّهَ والَّذينَ آمَنوا وَما يَخادعونَ إِلّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرونَ))، وتأكيداً على أمر الإتّباع المطلق، للرسول صلى الله عليه وسلم. بيّن الله تعالى في كتابه الكريم. أنّه لا يجوز للمؤمنين أن يجعلوا أيّ أحد، مهما كان. بما في ذلك أنفسهم، أقرب إليهم من الرسول صلى الله عليه وسلم. كما في قوله تعالى
(النَّبِيء أولى بِالْمُؤْمِنينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ))، ولقد جسّد المسلمون الأوائل. من الصحب الكرام. رضوان الله عليهم. هذا التفضيل المطلق. للجناب النبويّ الشريف. حتّى فدوه صلى الله عليه وسلم بكل ما يملكون. من أموالهم وأجسادهم وأرواحهم. خلال معاركهم مع أعدائهم من المشركين والكافرين. إنّ الأمر القرآني بتقديم النبيّ على النفس. يعني تقديمه على كلّ الخلق، قريبهم وبعيدهم، ولذلك جاء في الحديث الشريف. الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه. عن النبيّ صلى الله عليه وسلم. أنّه قال
(لا يؤمن أحدكم حتّى أكون أحبّ إليه من ولده ووالده والنّاس أجمعين))، إنّ هذا التفاني في الحبّ والإتّباع. لحضرة الرسول الأعظم. صلى الله عليه وسلم. هو الحجر الأساس. في سبيل سلوك طريق المحبّة الإلهيّة. ولكن كيف السبيل للوصول إلى هذا الفناء في محبّة الرسول صلى الله عليه وسلم؟. من الواضح أنّ في زمن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان الوصول إلى هذا الفناء في المحبّة والإتّباع مقترناً بأمرين. الأوّل: ما يحاول الصحابي أن يبذله من إيمان ومحبّة. وتسليم وطاعة. للرسول صلى الله عليه وسلم. الأمر الثاني: ما كان يفيضه الرسول صلى الله عليه وسلم على صحابته من فيوضات نورانية. ومن أحوال التزكيّة، التي كانت تطهّر نفوسهم، وتسمو بأرواحهم إلى حالات من الشفافية. فتنجذب لروحه أرواحهم، ولصفاته صفاتهم. ولأفعاله أفعالهم، فلا يعودون بعدها يحبّون شيئاً في الوجود كلّه. كحبّهم له صلى الله عليه وسلم. روى الإمام أحمد وابن ماجة والترمذي وقال حديث حسن صحيح ولفظه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال
(لمّا كان اليوم الذي دخل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أضاء منها كلّ شيء. فلمّا كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كلّ شيء. وما نفضنا عن النبي صلى الله عليه وسلم الأيدي حتّى أنكرنا قلوبنا)). وهذا يدلّ على أنّ وجود النبيّ صلى الله عليه وسلم بشخصه هو. ورؤيته بين الصحابة. كان نافعاً لقلوبهم. ولقد أورث النبيّ صلى الله عليه وسلم أحوال التزكية. وتطهير القلوب. لسلسلة متّصلة، غير منفصلة، باقية إلى يوم الدين، من أهل الله. هم مشايخ الطريق من رجال الصوفية. الذين يحملون لواء المحبّة. إلى جانب القرآن الكريم، جيل بعد جيل. إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. وقد نصّ النبيّ صلى الله عليه وسلم على ذلك. فعن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
( إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به. لن تضلّوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله. حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يتفرّقا حتّى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما))، رواه الترمذي والحاكم في المستدرك. وصحبة هؤلاء الوُرَّاث. الذين ورثوا عن النبيّ صلى الله عليه وسلم العلم والمعرفة. وجميع الأخلاق الطّيّبة، أمر مطلوب في المسير إلى الله تعالى، قصد نيل المحبّة الإلهيّة. وقد حثّ الله تعالى عليها حين قال
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ))، والصّادقون هم نخبة مختارة في المجتمع المسلم. ذكرهم الله تعالى بقوله
(منَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ))، ثمّ خاطب الله تعالى نبيّه صلى الله عليه وسلم ليعلّمنا ويرشدنا على صحبة الصالحين. فقال سبحانه
(وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ))، ثمّ يبيّن الله تعالى شقاء وخسران وضلال الظالمين. الذين لم يتّخذوا لأنفسهم صاحب صدق، وإنّما اتّخذوا رفاق وأخلاء السّوء. قال تعالى
(وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَنًا خَلِيلاً لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً))، ولقد قيل: من لا شيخ له. فالشيطان شيخه. أيّها المسلمون. فمَن لازم وصاحب مشايخ الطريق. من رجال الصوفية. وأخذ عنهم. فهو متّصل السّند من خلالهم برسول الله صلى الله عليه وسلم. كابراً عن كابر. إذ هم الذين يحملون لواء المعرفة والتربية حتّى قيام الساعة، وهم الذين عناهم الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله في الحديث الشريف الذي أخرجه الإمامان مسلم والبخاري في صحيحيهما
(لا تزال طائفة من أمّتي ظاهرين على الحقّ لا يضرّهم من خالفهم حتّى يأتي أمر الله وهم على ذلك)). وذُكر عن ابن عباس رضي الله عنهما فيما رواه أبو يعلى. ورجاله رجال الصحيح
(قيل يا رسول الله أيّ جلسائنا خير؟ قال: من ذكّركم اللَّهَ رؤيتُه، وزاد في علمكم منطقه، وذكّركم في الآخرة عمله)). فهم أهل الله. ومجالسهم مجالس ذكر الله. الذين قال عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
(هم القوم لا يشقى بهم جليسهم)). وقال الشيخ ابن عاشر المالكي رحمه الله تعالى في منظومته المرشد المعين على الضروري من علوم الدين في باب مبادئ التصوّف وهوادي التعرّف:
يصحب شيخا عارف المسالك يقيه في طريقه المهالك
يذكره الله إذا رءاه ويوصل العبد إلى مولاه
وذكر الشيخ زرّوق عن شيخه الحضرمي والشيخ السنوسي: أنّ من لم يجد شيخا يربّيه ويرقّيه. فليلازم الصلاة على النبيّ صلى الله عليه وسلم. فهي تربّيه وترقّيه. وتهذّبه وتوصّله. لأنّ الشيخ فيها. والسّند صاحبها صلى الله عليه وسلم. والمتأمّل في قوله تعالى
(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ))، يلاحظ أنّ الآية الكريمة جعلت الإتّباع نتيجة للحبّ. ((إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ))، ولكن نحن نتساءل: كيف نتمنّى في قلوبنا حبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حتّى يصدق اتّباعنا له؟ قال الإمام الساحلي رضي الله عنه. في بلغة السالك إلى أشرف المسالك
واعلم أنّ الذكر الخاصّ لهذا المنزل أي الإستقامة. هو الصلاة على النبيّ صلى الله عليه وسلم. للمناسبة التي بينها وبين حال طلب اتّباع السنّة. والموافقة التي يقتضيها إقتفاء أثر الشرع. قال الله عزّ وجلّ
(إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)). ففي تقديم الإخبار بصلاة الله وملائكته على النبيّ صلى الله عليه وسلم. قبل طلب الصلاة عليه من المومنين. إشارة إلى ثبوت محبّة الله والملائكة إيّاه. وطلب من مومنين الأمر الذي تحصل به محبّته. وهو الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم. قال النبيّ صلى الله عليه وسلم
(أقرب الناس منّي مجلسا يوم القيامة. أكثرهم عليّ صلاة)). وهل يكون القرب منه إلاّ على قدر اتّباعه والتزام طاعته. وهل يكون اتّباعه إلاّ على قدر محبّته. وهل تكون محبّته إلاّ على قدر ذكره. واعلم أنّ الله عزّ وجلّ أوجب علينا محبّته واتّباعه. والناس في محبّته درجات. فمن ناقص. ومن كامل. ومن المعلوم أنّ الذكر يؤكّد محبّة المذكور. وأنّ المحبّة تؤكّد أمر الإتّباع للمحبوب. فذكر النبيّ صلى الله عليه وسلم وسيلة إلى حبّه. وحبّه وسيلة إلى اتّباعه. واتّباعه واجب. ووسائل الواجبات واجبة). ولذلك تفنّن الصالحون مشايخ الطريق. من رجال الصوفية. في صيغ الصلاة على النبيّ صلى الله عليه وسلم. كلّ منهم على قدر ما ينهل من روحه. وما يشرب من أنواره صلى الله عليه وسلم.
إذا ما شئت في الدارين تسعد فأكثر من الصلاة على محمّد
وإن شئت القبول في الدعوات فتختم بالصلاة على محمّد
فلا صوم يصحّ ولا صلاة لمن ترك الصلاة على محمّد
وإن كانت ذنوبك ليس تحصى تكفّر بالصلاة على محمّد
فما تتضاعف الحسنات إلاّ بتكرار الصلاة على محمّد
وعند الموت ترى أمورًا تسرّك بالصّلاة على محمّد
وعند القبر تحظى بالأماني وترحم بالصلاة على محمّد
ولا تخشى من الملكين رعبا إذا سألاك قل لهما محمّد
رسول الله حقًّا اتّبعنا وآمنّا وصدّقنا محمّد
اللهمّ صلّ وسلّم. وزد وبارك على سيّدنا محمّد. الفاتح الخاتم. وعلى آله وأصحابه. حقّ قدره ومقداره العظيم.
يا ربّ بالمصطفى أغفر لنا ما مضى والمُسْلِمينَ جَميعاً أَيْنَمَا حَضَروُا
وَوالِدينا وأَهْلينَا وجيرَتِنَا وكُلُّنَا سَيِّدي لِلْعَفْوِ مُفْتَقِرُ
أَرْجوكَ يا رَبِّ في الدَّارَيْنِ تَرْحَمُنا بِجاهِ مَنْ في يَدَيْهِ سَبَّحَ الحَجَرُ
يا رَبِّ أَعْظِمْ لَنا أَجْرَاً ومَغْفِرَةً فَإِنَّ جودَكَ بَحْرٌ لَيْسَ يَنْحَصِرُ
واقْضِ دُيوناً لَها الأَخْلاقُ ضائِقَةٌ وفَرِّجِ الْكَرْبَ عَنَّا أَنْت مُقْتَدِرُ
وكُنْ لَطيفَاً بِنا في كُلِّ نازِلَةٍ لُطْفَاً جَميلَاً بِهِ الأَهْوالُ تَنْحَسِرُ
بِالمُصْطَفَى الْمُجْتَبَى خَيْرِ الأَنامِ ومَنْ جَلالَةً نَزَلَتْ في مَدْحِهِ السُّوَرُ
ثُمَّ الصَّلاةُ على المُخْتارِ ما طَلَعَتْ شَمْسُ النَّهارِ وما قَدْ شَعْشَعَ القَمَرُ
ثُمَّ الرِّضَى عَنْ أَبي بَكْرٍ خَليفَتِهِ مَنْ قامَ مِنْ بَعْدِهِ للدِّينِ يَنْتَصِرُ
وعَنْ أَبي حَفْصٍ الفاروقِ صاحِبِهِ مَنْ قَولُهُ الفَصْلُ في أَحْكامِهِ عُمَرُ
وَجُدْ لِعُثْمانَ ذِي النُّورَينِ مَنْ كَمُلَتْ لَهُ المَحاسِنُ في الدَّارَيْنِ والظَّفَرُ
كَذَا عَلِيُّ مَعَ ابْنَيْهِ وأُمِّهِما أهْلُ العَبَاءِ كَمَا قَدْ جاءَنا الخَبَرُ
سَعْدٌ سَعيدُ ابْنُ عَوفٍ طَلْحَةٌ وأَبو عُبَيْدَةٍ وزُبَيْرٌ سادَةٌ غُرَرُ
وحَمْزَةٌ وكَذَا العَبَّاسُ سَيِّدُنَا ونَجْلُهُ الْحَبْرُ مَنْ زَالَتْ بِهِ الغِيَرُ
والآَلُ والصَّحْبُ والأَتْبَاعُ قاطِبَةً ما جَنَّ لَيْلُ الدَّياجِي أَو بَدَا السَّحَرُ
سبحان ربّك ربّ العزّة عمّا يصفون. وسلام على المرسلين. والحمد لله ربّ العالمين. اه