قال العارف بالله، المحب في جانب رسول الله، سيدي عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه في العهود المحمدية : أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم أن نكثر من الصلاة و التسليم على رسول الله صلى الله عليه و سلم ليلا و نهارا ، و نذكر لإخواننا ما في ذلك من الأجر والثواب، و نرغبهم فيه كل الترغيب إظهارا لمحبته صلى الله عليه و سلم و شوقا إليه، و قدره أهل لذلك صلى الله عليه و سلم .
و كذلك أخذ العهد علينا شيخنا رضي الله عنه أن نكثر من الصلاة و التسليم على رسول الله صلى الله عليه و سلم سائر الأوقات الليلية و النهارية ، و نذكر ذلك لإخواننا و نحضهم عليها و الإكثار منها ، و هي طريقته .
ثم قال الشعراني : إعلم يا أخي أن طريق الوصول إلى حضرة الله تعالى من طريق الصلاة على رسول الله صلى الله عليه و سلم هي أقرب الطرق إلى الله تعالى ، فمن لم يخدم الخدمة الخاصة به و طلب دخول حضرة الله تعالى فقد رام المحال، و لا يمكنه حجاب الحضرة أن يدخل ، و ذلك لجهله بالآداب المرضية مع الله تعالى .
و قد حبب إلي أن أذكر إليك يا أخي جملة من فوائد الصلاة على رسول الله صلى الله عليه و سلم تشويقا لك لعل الله تعالى أن يرزقني و إياك محبته الخاصة ، و يصير شغلك في أكثر الأوقات الصلاة على رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و تصير تهدي ثواب كل عمل عملته في صحيفة رسول الله صلى الله عليه و سلم ، كما أشار إليه خبر كعب بن أبي عجرة : إني أجعل لك صلاتي كلها ، أي أجعل لك ثواب أعمالي ، فقال له صلى الله عليه وسلم : pإذن يكفيك الله هم دنياك و آخرتك i[1] .
فمن ذلك ما ذكره ابن فرحون القرطبي[2] قال : إعلم أن في الصلاة على رسول الله صلى الله عليه و سلم عشر كرامات : إحداها وهي أهمها صلاة الملك الجبار ، و الثانية شفاعة النبي المختار ، و الثالثة الإقتداء بالملائكة الأبرار ، و الرابعة مخالفة المنافقين و الكفار ، و الخامسة محو الخطايا و الأوزار ، والسادسة عون على قضاء الحوائج و الأوطار ، و السابعة تنوير الظاهر و الأسرار ، والثامنة النجاة من دار البوار ، و التاسعة دخول دار القرار ، و العاشرة سلام العزيز الغفار.
و منها ما ذكره الحضرمي قال : إنها سلم و معارج و سلوك إلى الله تعالى إذا لم يجد الطالب شيخا مرشدا .
و قال تلميذه الشيخ زروق : إن الصلاة عليه ترفع همة المتوجه و إن كان في مقام التخليط ، لأن ذكره كله نور و هدى .
و قال ابن عباد : إن الصلاة عليه تؤثر تقوية اليقين .
و قال السنوسي : من فقد شيخ التربية فليكثر من الصلاة عليه صلى الله عليه و سلم ، فإنه يصل إلى الفتح المبين .
و قال بعضهم : إن الصلاة عليه قرآن القرآن و فرقان الفرقان ، وقال بعضهم : إن الصلاة عليه تفتح لصاحبها شهود الذات و حقائق الصفات .
و قال الحافظ ابن حجر : إن الصلاة عليه تفتح من كيمياء السعادة أبوابا لا يفتحها غيرها ، و تفتح من مزايا الزيادة ما لا ينقطع على المصلى سيرها ، و أنها توصل إلى كافة المؤنة الدنيوية و الأخروية ، و تمنح اللحظات المحمدية و التجليات الإستفاضية .
و قال الرصاع[3] : إن الرحمة تحيط بالمصلي، و من أحاطت به الرحمة كيف لا تجاب الدعوة له .
و قال أيضا : إذا كان الدعاء مقبولا عند كثير من الصالحين فكيف بذكر من هو لجميع العارفين قدوة .
و قال بعض شيوخ الطريق : لا يزال أحدنا يكثر الصلاة عليه حتى يصير يشاهده في اليقظة و النوم ويسأله عما يشكل في قلب المصلي عليه نورا، و قد سماه الله نورا و سراجا منيرا .
و قال الخروبي[4] : المصلي عليه ممتثل لأمر الله و القيام بالأمر ذكر ، و المصلي عليه يناجي ربه والمناجاة ذكر .
و أيضا الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم لا بد أن تكون مقرونة باسم من أسماء الله أو صفة من صفاته و إمرار ذلك على اللسان ذكر . و هذه الأوجه الثلاثة تكون لكل مصل عليه صلى الله عليه و سلم من الخصوص و العموم ، و وجه رابع لخواص المصلين عليه صلى الله عليه و سلم و هو استحضار صورته و صفاته العظيمة .
و منها ما ذكره شيخنا رضي الله عنه أنه قال : من مكفرات الذنوب الصلاة على رسول الله صلى الله عليه و سلم ليلة الجمعة ثمانين مرة بصلاة الفاتح لما أغلق إلخ لمن يحفظها ، و بغيرها لمن لم يحفظها . فإنها تكفر ذنوب مائتي سنة بالتثنية متقدمة و مائتي سنة كذلك متأخرة ، و ما دمتم تقدرون على صلاة الفاتح لما أغلق فلا تؤثرون عليها شيئا في تكفير الذنوب و لو مرة واحدة فتستغرق ذنوب العبد في جميع عمره و تزيد عليه أضعافا مضاعفة ، و لو أتى بجميع ذنوب العباد استغرقتها مرة واحدة من صلاة الفاتح لما أغلق ، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء .
فإذا كانت هذه الخصال العظيمة في الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم ، فالواجب على العبد أن يعكف على الصلاة عليه صلى الله عليه و سلم و يجعلها هجيراه آناء الليل و أطراف النهار ، و يجعلها محبة فيه و لا يقصد بها سوى محبته صلى الله عليه وسلم و إجلالا و تعظيما و توقيرا، و قدره أهل لذلك صلى الله عليه و سلم .
قال بعضهم لا يتوهم المصلي على النبي صلى الله عليه و سلم أن صلاتنا عليه شفاعة منا له عند الله تعالى في زيادة رفعته و بلوغ أمنيته ، فإن مثلنا لا يشفع له لعظيم القدر عند ربه ، و لكن الله سبحانه أمرنا بمكافأة من أحسن إلينا و أنعم علينا ، و لما أحسن إلينا رسول الله صلى الله عليه و سلم إحسانا لم يحسن أحد إلينا مثله، و لا أكرمنا مخلوق مثل إكرامه ، وكنا عاجزين عن مكافأة سيد المرسلين و حبيب رب العالمين ، أمرنا ربنا سبحانه و تعالى أن نرغب إليه أن يصلي هو عليه لتكون صلاة مولانا عليه مكافأة له منه سبحانه لإحسانه إلينا وإفضاله علينا ، إذ لا إحسان أفضل من إحسانه إلا إحسان خالقه المنعم ببعثته رحمة إلى خلقه صلى الله عليه و سلم .
قال ابن عطاء الله في كتابه تاج العروس[5] : و من قارب فراغ عمره و يريد أن يستدرك ما فاته فليذكر بالأذكار الجامعة ، فإنه إذا فعل ذلك صار العمر القصير طويلا .
قال : و من فاته كثرة القيام و الصيام فليشغل نفسه بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فإنك لو فعلت في عمرك كل طاعة ثم صلى الله عليك صلاة واحدة رجحت تلك الصلاة الواحدة بكل ما عملت في عمرك كله من جميع الطاعات ، لأنك تصلي على قدر وسعك، و هو سبحانه يصلي على حسب ربوبيته ، هذا إذا كانت صلاة واحدة فكيف إذا صلى عليك عشرا بكل صلاة كما في الحديث .[6] فما أحسن العيش إذا أطعت الله فيه بذكر الله أو صلاة على رسول الله صلى الله عليه و سلم انبسط جاهه صلى الله عليه و سلم حتى بلغ المصلي عليه لهذا القدر العظيم ، و إلا فمتى كان يصلي الله عليك ؟
و في بغية السالك[7] للساحلي : إن من أعظم الثمرات و أجل الفوائد المكتسبات بالصلاة عليه صلى الله عليه و سلم انطباع صورته الكريمة في النفس انطباعا ثابتا متصلا متأصلا ، و ذلك بالمداومة على الصلاة عليه بإخلاص القصد و تحصيل الشروط و الآداب، و تدبر المعاني حتى يتمكن فيه من الباطن تمكنا صادقا خالصا، يصل بين نفس الذاكر و نفس النبي صلى الله عليه و سلم، و يؤلف بينهما في محل القرب و الصفا تأليفا بحسب تمكن النفس ، فالمرء مع من أحب[8]. و الحب يوجب الإتباع للمحبوب و الإتباع يؤذن بالوصال .
[1] - أنظر مسند الإمام أحمد ( حديث الطفيل بن أبي بن كعب ) 6 : 164 رقم 20864 . سنن الترمذي ( كتاب صفة القيامة ) 7 : 170 رقم 2505 .
[2] - علي بن محمد ابن فرحون القيسي القرطبي ، فقيه حيسوبي صوفي ، من أهل قرطبة ، له مؤلف سماه : لب اللباب في مسائل الحساب ، أقام بمدينة فاس مدة طويلة ، تصدر خلالها لتدريس علمي الحساب و الفرائض ، توفي بمكة المكرمة في شهر محرم الحرام عام 601 هـ ، أنظر ترجمته في جذوة الإقتباس ، لابن القاضي 2 : 483 رقم 545 . الأعلام ، للزركلي 4 : 330 .
[3] - محمد بن قاسم الأنصاري ، المعروف بأبي عبد الله الرصاع ، قاضي الجماعة بتونس ، له مؤلفات كثيرة في الفقه و الحديث و السيرة ، توفي بتونس سنة 894 هـ ، أنظر ترجمته في شجرة النور الزكية ، لمخلوف 1 : 375 رقم 979 . وفيات الونشريسي 152 . الأعلام ، للزركلي 7 : 5 .
[4] - محمد بن علي الخروبي الطرابلسي ، صوفي مشهور ، من مواليد طرابلس الغرب ، عاش بالجزائر ، و بها توفي سنة 963 هـ ، من مؤلفاته : الحكم الكبرى ، و مزيل اللبس عن آداب و أسرار النواعد الخمس ، و الأنس في التنبيه على عيوب النفس ، و غيرها . أنظر ترجمته في تذكرة المحسنين ( موسوعة أعلام المغرب ) 2 : 895 - 896 . الأعلام ، للزركلي 6 : 292 . معجم المؤلفين 11 : 6 - 7 . إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون ، للبغدادي 2 : 274 و 471 . هدية العارفين ، للبغدادي 2 : 254 .
[5] - المراد به كتاب تاج العروس الحاوي لتهذيب النفوس ، للعلامة العارف بالله سيدي تاج الدين بن عطاء الله الإسكندري .
[6] - إشارة للحديث الذي رواه الإمام مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع النبي صلى الله عليه و سلم يقول : إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ، ثم صلوا عليّ ، فإنه من صلى عليّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً ، ثم سلوا الله لي الوسيلة ، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبدٍ من عباد الله ، و أرجو أن أكون أنا هو ، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة. إهـ .. صحيح مسلم ( كتاب الصلاة ) باب استحباب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه إلخ رقم 800 .
[7] - المراد به كتاب بغية السالك إلى أشرف المسالك ، للعلامة الصوفي الشهير سيدي محمد بن محمد بن أحمد الأندلسي الساحلي المتوفي عام 803 هـ .