بسم الله الرحمـن الرحيم
أنه نودى تلك الليلة فى السماء وصفاحها والأرض وبقاعها أن النور المكنون الذى منه رسول الله صلى الله عليه وسلم يستقر الليلة فى بطن آمنة فيا طوبى لها ثم يا طوبى،
ذكر حمل آمنة الطاهرة عليها السلام برسول الله صلى الله عليه و على آله سلم و ولادته الشريفة
ولما حملت آمنة برسول الله صلى الله عليه وسلم ظهر لحمله عجائب قال سهل بن عبد الله التسترى رضى الله عنه لما أراد الله تعالى خلق محمد صلى الله عليه وسلم فى بطن أمه آمنة ليلة رجب وكانت ليلة جمعة أمر رضوان خازن الجنان أن يفتح الفردوس ونادى مناد فى السموات والأرض ألا إن النور المخزون المكنون الذى يكون منه النبى الهادى يستقر فى هذه الليلة فى بطن أمه الذى فيه يتم خلقه ويخرج إلى الناس بشيرا ونذيرا وفى رواية كعب الأحبار أنه نودى تلك الليلة فى السماء وصفاحها والأرض وبقاعها أن النور المكنون الذى منه رسول الله صلى الله عليه وسلم يستقر الليلة فى بطن آمنة فيا طوبى لها ثم يا طوبى، وأصبحت يومئذ أصنام الدنيا منكوسة وكانت قريش فى جدب شديد وضيق عظيم فاخضرت الأرض وحملت الأشجار وأتاهم الرفد من كل جانب فسميت تلك السنة التى حمل فيها برسول الله صلى الله عليه وسلم سنة الفتح والابتهاج.
وفى حديث ابن إسحاق أن آمنة كانت تحدث أنها أتيت حين حملت به صلى الله عليه وسلم فقيل لها إنك حملت بسيد هذه الأمة وقالت ما شعرت بأنى حملت به ولا وجدت له ثقلا ولا وحما كما تجد النساء إلا أنى أنكرت رفع حيضتى وأتانى آت وأنا بين النائمة واليقضانة فقال هل شعرت بأنك حملت بسيد الأنام ثم أمهلنى حتى إذا دنت ولادتى أتانى فقال قولى:
أعيذه بالواحد من شر كل حاسد
ثم سميه محمدا، وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال كان من دلالة حمل آمنة برسول الله صلى الله عليه وسلم أن كل دابة لقريش نطقت تلك الليلة وقالت حمل برسول الله صلى الله عليه وسلم ورب الكعبة وهو إمام الدنيا وسراج أهلها ولم يبق سرير لملك من ملوك الدنيا إلا أصبح منكوسا وفرت وحوش المشرق إلى وحوش المغرب بالبشارات وكذلك أهل البحار يبشر بعضهم بعضا وله فى كل شهر من شهور حمله نداء فى الأرض ونداء فى السماء أن أبشروا فقد آن أن يظهر أبو القاسم صلى الله عليه وسلم ميمونا مباركا.
وعن غيره لم يبق فى تلك الليلة دار إلا أشرقت ولا مكان إلا دخله النور ولا دابة إلا نطقت، وعن أبى زكريا يحيى بن عائذ بقى صلى الله عليه وسلم فى بطن أمه تسعة أشهر كملا لاتشكو وجعا ولا مغصا ولا ريحا ولا مايعرض لذوات الحمل من النساء وكانت تقول والله ما رأيت من حمل هو أخف ولا أعظم بركة منه، ولما تم لها من حملها شهران توفى عبدالله فى المدينة عند أخواله بنى النجار ودفن بالأبواء، ويذكر عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه لما توفى عبدالله قالت الملائكة إلهنا وسيدنا بقى نبيك يتيما فقال الله تعالى أنا له حافظ ونصير، وعن عمرو بن قتيبة قال سمعت أبى وكان من أوعية العلم قال لما حضرت ولادة آمنة قال الله تعالى للملائكة افتحوا أبواب السماء كلها وأبواب الجنان والبست الشمس يومئذ نورا عظيما وكان قد أذن الله تعالى تلك السنة لنساء الدنيا أن يحملن ذكورا كرامة لمحمد صلى الله عليه وسلم.
وعن ابن العباس كانت آمنة تحدث وتقول آتانى أت حين مر من حملى ستة أشهر فى المنام فقال لى يا آمنة إنك حملت بخير العالمين فإذا ولدته فسميه محمدا واكتمى شأنك قالت ثم لما أخذنى ما يأخذ النساء ولم يعلم بى أحد لاذكر ولا أنثى وإنى لوحيدة فى المنزل وعبد المطلب فى طوافه فسمعت وجبة عظيمة وأمرا عظيما هالنى ثم رأيت كأن جناح طير أبيض قد مسح على فؤادى فذهب عنى الرعب وكل وجع أجده ثم التفت فإذا أنا بشربة بيضاء فتناولتها فاصابنى نور عال ثم رأيت نسوة كالنخل طوالا كأنهن من بنات عبد مناف يحدقن بى فبينا أنا أتعجب وأقول واغوثاه من أين علمن بى فقلن لى نحن آسية امرأة فرعون ومريم ابنة عمران وهؤلاء من الحور العين واشتد بى الأمر وأنا أسمع الوجبة فى كل ساعة أعظم وأهول مما تقدم فبينما أنا كذلك إذا بديباج أبيض قد مد بين السماء والأرض وإذا بقائل يقول خذوه عن أعين الناس.
قالت ورأيت رجالا قد وقفوا فى الهواء بأيديهم أباريق من فضة ثم نظرت فإذا أنا بقطعة من الطير قد غطت حجرتى مناقيرها من الزمرد وأجنحتها من الياقوت فكشف الله عن بصرى فرأيت مشارق الأرض ومغاربها ورأيت ثلاثة أعلام مضروبات علما بالمشرق وعلما بالمغرب وعلما على ظهر الكعبة فأخذنى المخاض فوضعت محمدا صلى الله عليه وسلم.
وعن العرباض بن سارية رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنى عبد الله وخاتم النبيين وإن آدم لمنجدل فى طينته وسأخبركم عن ذلك إنى دعوة أبى إبراهيم وبشارة عيسى ورؤيا أمى التى رأت وكذلك أمهات النبيين يرين، وإن أم رسول الله صلى الله عليه وسلم رأت حين وضعته نورا أضاءت له قصور الشام وإلى هذا أشار عمه العباس بقوله:
وأنت لما ولدت أشرقت الأرض وضاءت بنورك الأفق
فنحن فى ذلك الضياء وفى النور وسبل الرشاد نخترق
وروى ابن سعد أنها ولدته نظيفا ما به قذر، وفى إضاءة قصور الشام بذلك النور إشارة إلى ما خص الشام من نور نبوته فإنها دار ملكه كما ذكر كعب أن فى الكتب السالفة محمد رسول الله مولده بمكة ومهاجره بيثرب وملكه بالشام ولهذا أسرى به صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس كما هاجر قبله إبراهيم عليه السلام إلى الشام وبها ينزل عيسى بن مريم عليه السلام وهى أرض المحشر والمنشر.
وروى عبد الرحمن بن عوف عن أمه الشفاء رضى الله عنهما قالت ولدت آمنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقع على يدى فاستهل فسمعت قائلا يقول رحمك الله وأضاء لى مابين المشرق والمغرب حتى نظرت إلى بعض قصور الروم قالت ثم ألبسته واضجعته فلم أنشب أن غشيتنى ظلمة ورعب وقشعريرة ثم غيب عنى فسمعت قائلا يقول أين ذهبت به قال إلى المشرق قالت فلم يزل الحديث منى على بال حتى ابتعثه الله فكنت فى أول الناس إسلاما.
وعن حسان بن ثابت رضى الله عنه قال إنى لغلام ابن سبع سنين أو ثمان أعقل ما رأيت وسمعت إذا يهودى يصرخ ذات غداة يا معشر يهود فاجتمعوا إليه وأنا أسمع قالوا ويلك ما لك قال طلع نجم أحمد الذى ولد به فى هذه الليلة، وعن عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها قالت كان يهودى قد سكن بمكة فلما كانت الليلة التى ولد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يامعشر قريش هل ولد فيكم الليلة مولود قالوا لا نعلم قال انظروا فإنه ولد فى هذه الليلة نبى هذه الأمة بين كتفيه علامة فانصرفوا فسألوا فقيل لهم قد ولد لعبدالله بن عبد المطلب غلام فذهب اليهودى معهم إلى أمه فأخرجته لهم فلما رأى اليهودى العلامة خر مغشيا عليه وقال ذهبت النبوة من بنى إسرائيل يا معشر قريش أما والله ليسطون بكم سطوة يخرج خبرها من المشرق والمغرب رواه يعقوب بن سفيان بإسناد حسن كما فى فتح البارى.
ومن عجائب ولادته صلى الله عليه وسلم ما روى من ارتجاج إيوان كسرى وسقوط أربع عشرة شرفة من شرفاته وغيض بحيرة طبرية وخمود نار فارس وكان له ألف عام لم تخمد كما رواه كثيرون ومن ذلك ما وقع من زيادة حراسة السماء فى الشهب وقطع رصد الشياطين ومنعهم من استراق السمع، وولد صلى الله عليه وسلم مختونا مسرورا أى مقطوع السرة كما روى عن ابن عمر وغيره، وعن أنس رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال من كرامتى على ربى أنى ولدت مختونا ولم ير أحد سواتى.
وقد اختلف فى عام ولادته صلى الله عليه وسلم والأكثرون أنه ولد عام الفيل وأنه بعد الفيل بخمسين يوما وأنه فى شهر ربيع الأول يوم الأثنين لثنتى عشرة خلت منه عند طلوع الفجر، وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال ولد صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين واستنبئ يوم الأثنين وخرج مهاجرا من مكة إلى المدينة يوم الإثنين ودخل المدينة يوم الإثنين ورفع الحجر يوم الإثنين وكذا فتح مكة ونزول سورة المائدة يوم الإثنين.
وعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما قال كان بمر الظهران راهب يسمى عيصا من أهل الشام وكان يقول يوشك أن يولد فيكم يا أهل مكة مولود تدين له العرب ويملك العجم هذا زمانه فكان لايولد بمكة مولود إلا ويسأل عنه فلما كان صبيحة اليوم الذى ولد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عبد المطلب حتى أتى عيص فناداه فأشرف عليه فقال عيص كن أباه فقد ولد ذلك المولود الذى كنت أحدثكم عنه يوم الإثنين ويبعث يوم الإثنين ويموت يوم الإثنين قال ولد لى الليلة مع الصبح مولود قال فما سميته قال محمدا قال والله لقد كنت أشتهى أن يكون هذا المولود فيكم أهل هذا البيت بثلاثة خصال أنه طلع نجمه البارحة وأنه ولد اليوم وأن اسمه محمد صلى الله عليه وسلم، ووافق ذلك من الشهور الشمسية نيسان وكان لعشرين مضت منه.
وقيل ولد ليلا فعن عائشة رضى الله عنها قالت كان بمكة يهودى يتجر فيها فلما كانت الليلة التى ولد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا معشر قريش هل ولد فيكم الليلة مولود قالوا لا نعلمه قال ولد الليلة نبى هذه الأمة الأخيرة بين كتفيه علامة فيها شعرات متواترات كأنهن عزف فرس فخرجوا باليهودى حتى أدخلوه على أمه فقالوا أخرجى لنا ابنك فأخرجته وكشفوا عن ظهره فرأى تلك الشامة فوقع اليهودى مغشيا عليه فلما أفاق قالوا مالك ويلك قال ذهبت والله النبوة من بنى إسرائيل رواه الحاكم، وليلة مولده صلى الله عليه وسلم أفضل من ليلة القدر، وولد صلى الله عليه وسلم فى مكة فى الدار التى كانت لمحمد بن يوسف، وأرضعته صلى الله عليه وسلم ثويبة عتيقة أبى لهب أعتقها حين بشرته بولادته عليه الصلاة والسلام وقد رؤى أبو لهب بعد موته فى النوم فقيل له ماحالك فقال فى النار إلا أنه خفف عنى فى كل ليلة اثنين وأمص من بين إصبعى هاتين ماء وأشار برأس إصبعيه وإن ذلك بإعتاقى لثويبة عندما بشرتنى بولادة النبى صلى الله عليه وسلم وبإرضاعها له.
قال ابن الجزرى فإذا كان هذا أبولهب الكافر الذى نزل القرآن بذمه جوزى بفرحه ليلة مولد النبى صلى الله عليه وسلم فما حال المسلم الموحد من أمته صلى الله عليه وسلم يسر بمولده ويبذل ماتصل إليه قدرته فى محبته صلى الله عليه وسلم لعمرى إنما بكون جزاؤه من الله الكريم أن يدخله بفضله العميم جنات النعيم ولازال أهل الإسلام يحتفلون بشهر مولده عليه الصلاة والسلام ويعملون الولائم ويتصدقون فى لياليه بأنواع الصدقات ويظهرون السرور ويزيدون فى المبرات ويعتنون بقراءة مولده الكريم ويظهر عليهم من بركاته كل فضل عميم ومما جرب من خواصه أنه أمان فى ذلك العام وبشرى عاجلة بنيل البغية والمرام فرحم الله امرأ اتخذ ليالى شهر مولده المباركة أعياداً.
الأنوار المحمدية
مختصر المواهب اللدونية للقسطلانى
اللهم صل على سيدنا محمد النبي الكامل و على آله كما لا نهاية لكمالك عد كماله
اللهم شفعه فينا و ارزقنا محبته و تعظيمه و رؤيته في كل حين و صحبته في الآخرة و اسقنا من حوضه أجمعين و جمعنا به في الفردوس الأعلى برحمتك يا أرحم الراحمين
اللهم إنا نسألك حبك و حب من أحبك و حب ما يقربنا من حبك
لا إله إلا الله و الحمد لله رب العالمين
<LI id=post63183 class="pvm uiUnifiedStory uiStreamStory uiListItem uiListLight uiListVerticalItemBorder">
تجلى مولد الهادي وعمت *** بشائره البوادي والقصابا
وأسدت للبرية بنت وهب *** يدا بيضاء طوقت الرقابا
لقد وضعته وهاجا منيرا *** كما تلد السماوات الشهابا
فقام على سماء البيت نورا *** يضيء جبال مكة والنقابا
وضاعت يثرب الفيحاء مسكا *** وفاح القاع أرجاء وطابا
أبا الزهراء قد جاوزت قدري *** بمدحك بيد أن لي انتسابا
فما عرف البلاغة ذو بيان *** إذا لم يتخذك له كتابا
مدحت المالكين فزدت قدرا *** فحين مدحتك اقتدت السحابا
سألت الله في أبناء ديني *** فإن تكن الوسيلة لي أجابا
وما للمسلمين سواك حصن *** إذا ما الضر مسهم ونابا
كأن النحس حين جرى عليهم *** أطار بكل مملكة غرابا
ولو حفظوا سبيلك كان نورا *** وكان من النحوس لهم حجابا
بنيت لهم من الأخلاق ركنا *** فخانوا الركن فانهدم اضطرابا
وكان جنابهم فيها مهيبا *** وللأخلاق أجدر أن تهابا
</LI>