افتتان المسلمين بعد موت الرسول قال
ابن إسحاق : ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم عظمت به مصيبة المسلمين فكانت عائشة فيما بلغني ، تقول لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدت
العرب ، واشرأبت اليهودية
والنصرانية ، ونجم النفاق وصار المسلمون كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية لفقد نبيهم صلى الله عليه وسلم حتى جمعهم الله على أبي بكر .
موته عليه السلام كان خطبا كالحا
فصل
وكان موته عليه السلام خطبا كالحا ، ورزءا لأهل الإسلام فادحا ، كادت تهد له الجبال وترجف الأرض وتكسف النيرات لانقطاع خبر السماء وفقد من لا عوض منه مع ما آذن به موته - عليه السلام - من الفتن السحم والحوادث الوهم والكرب المدلهمة والهزاهز المضلعة فلولا ما أنزل الله تبارك وتعالى من السكينة على المؤمنين وأسرج في قلوبهم من نور اليقين وشرح له صدورهم من فهم كتابه المبين لانقصمت الظهور وضاقت عن الكرب الصدور ولعاقهم الجزع عن تدبير الأمور فقد كان الشيطان أطلع إليهم رأسه ومد إلى إغوائهم مطامعه فأوقد نار الشنآن ونصب راية الخلاف ولكن أبى الله تبارك وتعالى إلا أن يتم نوره ويعلي كلمته وينجز موعوده فأطفأ نار الردة وحسم قادة الخلاف والفتنة على يد الصديق رضي الله عنه ولذلك قال
أبو هريرة :
لولا أبو بكر لهلكت أمة
محمد عليه السلام بعد نبيها
ولقد كان من قدم
المدينة يومئذ من الناس إذا أشرفوا عليها سمعوا لأهلها ضجيجا ، وللبكاء في جميع أرجائها عجيجا ، حتى صحلت الحلوق ونزفت الدموع وحق لهم ذلك ولمن بعدهم كما روي عن أبي
ذؤيب الهذلي واسمه خويلد بن خالد وقيل ابن محرث قال بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عليل فاستشعرت حزنا وبت بأطول ليلة لا ينجاب ديجورها ، ولا يطلع نورها ، فظللت أقاسي طولها ، حتى إذا كان قرب السحر أغفيت ، فهتف بي هاتف وهو يقول
قال أبو
ذؤيب : فوثبت من نومي فزعا ، فنظرت إلى السماء فلم أر إلا سعد الذابح فتفاءلت به ذبحا يقع في
العرب ، وعلمت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد قبض وهو ميت من علته فركبت ناقتي وسرت ، فلما أصبحت طلبت شيئا أزجر به فعن لي شيهم يعني : القنفذ قد قبض على صل يعني : الحية فهي تلتوي عليه والشيهم يقضمها حتى أكلها ، فزجرت ذلك وقلت : شيهم شيء مهم ، والتواء الصل التواء الناس عن الحق على القائم بعد النبي صلى الله عليه وسلم ثم أكل الشيهم إياها غلبة القائم بعده على الأمر . فحثثت ناقتي ، حتى إذا كنت بالغابة زجرت الطائر فأخبرني بوفاته ونعب غراب سانح فنطق مثل ذلك فتعوذت بالله من شر ما عن لي في طريقي ، وقدمت
المدينة ولها ضجيج بالبكاء كضجيج الحجيج إذا أهلوا بالإحرام فقلت : مه ؟ فقالوا : قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئت المسجد فوجدته خاليا ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصبت بابه مرتجا ، وقيل هو مسجى فدخلا به أهله فقلت : أين الناس ؟ فقيل في
سقيفة بني ساعدة ، صاروا إلى
الأنصار ، فجئت إلى السقيفة فأصبت أبا بكر وعمر وأبا عبيدة بن الجراح وسالما وجماعة من
قريش ، ورأيت
الأنصار فيهم
سعد بن عبادة ، وفيهم شعراؤهم
حسان بن ثابت وكعب بن مالك وملأ منهم فآويت إلى
قريش ، وتكلمت
الأنصار ، فأطالوا الخطاب وأكثروا الصواب وتكلم أبو بكر رضي الله عنه فلله دره من رجل لا يطيل الكلام ويعلم مواضع فصل الخطاب والله لقد تكلم بكلام لا يسمعه سامع إلا انقاد له ومال إليه ثم تكلم عمر رضي الله عنه بعده دون كلامه ومد يده فبايعه وبايعوه ورجع أبو بكر ورجعت معه .
قال أبو
ذؤيب : فشهدت الصلاة على محمد صلى الله عليه وسلم وشهدت دفنه ثم أنشد أبو
ذؤيب يبكي النبي صلى الله عليه وسلم
لما رأيت الناس في عسلانهم | | من بين ملحود له ومضرح |
متبادرين لشرجع بأكفهم | | نص الرقاب لفقد أبيض أروح |
فهناك صرت إلى الهموم ومن يبت | | جار الهموم يبيت غير مروح |
كسفت لمصرعه النجوم وبدرها | | وتزعزعت آطام بطن الأبطح |
وتزعزعت أجبال يثرب كلها | | ونخيلها لحلول خطب مفدح |
ولقد زجرت الطير قبل وفاته | | بمصابه وزجرت سعد الأذبح </SPAN> |
أرقت فبات ليلي لا يزول | | دليل أخي المصيبة فيه طول |
وأسعدني البكاء وذاك فيما | | أصيب المسلمون به قليل |
لقد عظمت مصيبتنا وجلت | | عشية قيل قد قبض الرسول |
وأضحت أرضنا مما عراها | | تكاد بنا جوانبها تميل |
فقدنا الوحي والتنزيل فينا | | يروح به ويغدو جبرئيل |
وذاك أحق ما سألت عليه | | نفوس الناس أو كربت تسيل |
نبي كان يجلو الشك عنا | | بما يوحى إليه وما يقول |
ويهدينا فلا نخشى ضلالا | | علينا والرسول لنا دليل |
أفاطم إن جزعت فذاك عذر | | وإن لم تجزعي ، ذاك السبيل |
فقبر أبيك سيد كل قبر | | وفيه سيد الناس الرسول</SPAN> |
ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفن ورجع
المهاجرون والأنصار إلى رحالهم ورجعت فاطمة إلى بيتها اجتمع إليها نساؤها ، فقالت
اغبر آفاق السماء وكورت | | شمس النهار وأظلم العصران |
فالأرض من بعد النبي كئيبة | | أسفا عليه كثيرة الرجفان |
فليبكه شرق البلاد وغربها | | ولتبكه مضر وكل يمان |
وليبكه الطود المعظم جوه | | والبيت ذو الأستار والأركان |
يا خاتم الرسل المبارك ضوءه | | صلى عليك منزل القرآن |
[ نفسي فداؤك ما لرأسك ماثلا | | ما وسدوك وسادة الوسنان ]</SPAN> |
الاختلاف في كفنه
فصل
وأما الاختلاف في كفنه عليه السلام كم ثوبا كان وفي الذين أدخلوه قبره ونزلوا فيه فكثير وأصح ما روي في كفنه أنه كفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية وكانت تلك الأثواب من كرسف وكذلك قميصه عليه السلام كان من
قطن ، ووقع في السيرة من غير رواية البكائي أنها كانت إزارا ورداء ولفافة وهو موجود في كتب الحديث وفي الشروحات وكانت اللبن التي نضدت عليه في قبره تسع لبنات .
وذكر
ابن إسحاق فيمن ألحده شقران مولاه واسمه صالح وشهد بدرا ، وهو عبد قبل أن يعتق فلم يسهم له انقرض عقبه فلا عقب له .