ظهور وتجسيد النور المحمدييقول الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه :
« ... ثم أخفى الله الخليقة في غيبه ، وغيبها مكنون علمه ... وقرن بتوحيده نبوة محمد صلى الله تعالى عليه وسلم ، فشهرت في السماء قبل مبعثه في الأرض ... ولم يزل الله يخبأ النور تحت الميزان إلى أن فصل محمد ظاهر العنوان ، ودعا الناس ظاهراً وباطناً ، وندبهم سراً وإعلاناً ، واستدعى التنبيه على العهد الذي قدمه إلى الذر قبل النسل ، فمن وافقه قبس من مشاح النور المتقدم ، اهتدى إلى سره ، واستــبان واضـــح أمــــره . ومـن ألبســــــته الغفلـــة استـــــحق الســــخط »(1) .
تجسد النور المحمدي صلى الله تعالى عليه وسلم : يقول الشيخ الأكبر ابن عربي
:
« وأقامه الحق سبحانه وتعالى صورة نفعه وخيره عدلاً وفضلاً . وأراد الحق أن يتم مكرمته حساً ، كما أتمها نفساً ، فأنشأ لها في عالم الحس صورة مجسمة بعد انقضاء الدورة التي تعطف آخرها على أولها .
وسمى سبحانه وتعالى ذلك الجسم المطهر : محمداً
، وجعله إماماً للناس كافة ، وللعالم سيداً ، ونطق على ظاهر ذلك الجسد لسانُ الأمر ، فقال :
أنا سيدُ ولدِ آدمَ ولا فخر(2) ، ثم نزل لهم تعليماً ، فاغتفر ورددَّ فيهم البصر والنظر ، وقال :
إنما أنابشر (3) ، وذلك كما كنا له مثالاً وكان لنا تمثالاً ، فطوراً تقدس ، وطوراً تجنس . فهو السابقُ ونحن اللاحقون ، وهو الصادق ونحن المصدقون ، ولما كانت أيضاً صورته الجسدية جسماً لمقام الإنباء لا لصورة الإنشاء »(4) .
ويقول الشيخ عبد الكريم الجيلي
:
« وما في الأنبياء نبي إلا وقد ظهرت البشرية عليه إلا محمد
، فإن بشريته معدومة لا أثر لها ، بخلاف غيره من الأنبياء والأولياء ، فإنهم وإن زالت عنهم البشرية فإن زوالها عبارة عن انستارها ، كما تتستر النجوم عند ظهور الشمس ، فإنها وإن كانت مفقودة العين فهي موجودةُ الحكم حقيقة . وبشريته
مفقودة لقوله :
لم يؤمن من الشياطين إلا شيطاني(5) ، أو كما قال مما هذا معناه »(6) .
وقال : « اعلم أنه
كان في اعتدال الخلقة في كمال لا مرمى بعده ، وفي حسنٍ وجمال لا زيادة عليه , لأن الأمر الإلهي إنما أبرزه للكمال لا للنقصان ، ولأجل ذلك قال رسول الله
:
بعثت لاتمم مكارم الأخلاق (7). فكان الوجود بالمحسوسات الضرورية والمحمودات الشرعية ، فتكميلهُ بالموجودات الضرورية كقوله :
بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ، وتكميله بالمحمودات الشرعية قوله تعالى :
الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ (
. فما كان كمال الوجود إلا به صورةً ومعنىً
، ولما كان
كمال الوجود ، كان كل شيءً فيه على غاية من الكمال ، فلا نقص فيه بوجه من الوجوه , لأنه كمالٌ محض »(9) .
_______________________
الهوامش :ـ
(1) – الشيخ يوسف النبهاني – جواهر البحار في فضائل النبي المختار
- ج 2 ص 194 .
(2) - المعجم الأوسط ج: 5 ص: 203 .
(3) - مجمع الزوائد ج: 8 ص: 269 .
(4) – الشيخ ابن عربي – شجرة الكون - ص 49 .
(5) - مجمع الزوائد ج: 8 ص: 269 .
(6) – الشيخ يوسف النبهاني – جواهر البحار في فضائل النبي المختار
- ج 1 ص 250 .
(7) - الجامع الصغير للسيوطي ج: 1 ص: 206 .
(
– المائدة : 3 .
(9) – الشيخ يوسف النبهاني – جواهر البحار في فضائل النبي المختار
- ج 1 ص 250 .